Wednesday, July 25, 2007

من نقد الممارسة إلى إلغاء الأصل

بقلم د. محمد الفقيه


حينما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم صوراً من ممارسة سعد بن عبادة رضي الله عنه للغيرة يبدو فيها شديدا ، فلم يتجه صلى الله عليه وسلم لنقد الممارسة , بل وأكد الأصل وهو الغيرة تأكيداً قوياً مبيناً أنها مطلب شرعي قبل أن تكون مطلباً رجولياً , فقال صلى الله عليه وسلم : (( أتعجبون من غيرة سعد , والله لأنا أغير منه , والله أغير مني , ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش )) والحديث في الصحيحين .

فالممارسة قد تحمل أخطاء تختلف درجاتها باختلاف طبائع البشر وأفهامهم ودرجة إيمانهم لا يكاد يسلم منها مبدأ أو فكرة , وقداسة المبدأ لا تعفي خطأ الممارسة .

وقد تتكرر الأخطاء وتتراكم بحيث تنسينا أصل الفكرة أو المبدأ وتكون هي الأصل في نظر البعض , لذلك كانت سنة التجديد في البشرية ببعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , وفي أمتنا ببعث المجددين ليعيدوا لهذا الدين صفاءه ونقاءه وما علق به مع الزمن وهو بريء منة من ممارسات خاطئة أو أفكار زائفة .

هنا يأتي دور العلماء الربانيين في تقرير المبادئ والأسس والقيم الشرعية وبيانها للناس والسعي لترسيخها في أذهانهم , ويعقبه نقد الممارسات الخاطئة التي خالفت هذه المبادئ والقيم , فنقده مقبول في مقابل تقريره للأصل الشرعي، فإذا دعا إلى ترك الممارسة الخاطئة يدعوهم في نفس الوقت للتمسك بالمبادئ بصورتها وتطبيقها الصحيحين , فهو يشيد البناء ويحكمه , ويسعى بعد ذلك لإزالة ما علق به من سوء ويوازن دائما بين تقريره للأصل ونقده للممارسة.

ولا يخفى على الملاحظ لما يطرح في المنابر الثقافية والوسائل الإعلامية من تكريس وتركيز وإيغال في تتبع الممارسات و نقدها وهو أحد فخاخ العلمنة حيث يقتصر الطرح على نقد الممارسات بحجة أن بعضها خاطئ , ثم يسحب النقد من الخطأ إلى الصواب فيجعلان في سلة واحدة وهي سلة النقد , ثم ينسحب بعد ذلك بالضرورة إلى الأصل والمبدأ , فالمبادئ والأفكار ليس لها وجود حقيقي إلا في الممارسات , فإذا ألغيت الممارسات تبعها إلغاء الأصل , وتحويله إلى فكرة محشورة داخل الذهن لا علاقة لها بالواقع .

ومن المعلوم أن الممارسات لأي مبدأ تختلف قرباً وبعداً من المبدأ , ولا يمكن أن يمارس الجميع بدرجة كاملة , ولذلك كان القدوات في أي مبدأ ينظر إليهم على أنهم التطبيق الأكمل للمبدأ, وهو الحكم عند حصول الاختلاف في التطبيق , وفي جميع شعائر الإسلام القدوة في ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم يتلوه صحابته الكرام والسلف الصالح وأي اختلاف حول التطبيق يكون الميزان الحق هو ميزان النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحكم على مدى صحته أو قربه أو بعده , والقادرون على هذا الحكم هم العلماء بسنته صلى الله عليه وسلم , أما أن يأتي من لا علم له بالسنة أصلاً ويكيل النقد للممارسات فعلى أي أساس يبني وعلى أي منهج ينتقد ثم ماذا وراء هذا النقد ؟

إنه الهدم والتفكيك , وإنك لتعجب من انصباب النقد على الممارسات الدينية وكأنه لا يوجد أخطاء إلا عند من يحملون الدين أو كأن الخطأ تمثل فيهم وهم سبب النكبات وممارساتهم الخاطئة هي التي جلبت لنا الكوارث والأعجب منه أن الجميع قد يخطئ في تصرف أو تحليل أوتنظير ولا يتحمل الخطأ إلا الإسلاميون خصوصاً . والحل الوحيد في نظرهم , هو تكريس الهجوم عليهم وتركيز النقد لهم , أي هدم وهدم بلا بناء , وهل تنتظر من العلمانيين بناء .

واغتر البعض بدعوى نقد الممارسات والاقتصار عليها وربما وجده طريقاً سهلاً , فالهدم أسهل من البناء , وربما كانت حجته : أصلح بيتي وأسد ثغراته ولا أترك مداخل للعدو , وقد تكون هذه الحجة مقنعة لو أن هناك بيتاً يبنى , ولكن الواقع أن البيوت تهدم وتسوى بالأرض وأنت تساعدهم من حيث لا تشعر وربما دللتهم على مواضع للهدم لم يكونوا على علم بها

----------------------------------------------------------------

أعجبني هذا المقال جدا ولفت نظري الى أمور هامة منها :

* عند نقد ممارسة ما يجب أن يقوم الناقد بتأكيد المبدأ أولا والتأكيد على إيمان الجميع بهذا المبدأ

* اذا اختلف الطرفان على التأكيد على المبدأ ودرجة قداسته في نفوسهما فلا داعي اذا للاستمرار في نقد الممارسة حيث يصبح هذا الأمر لا يعني الطرف الغير معترف بالمبدأ أصلا ، وما يجب أن ينتقد عندئذ هو هذا الطرف الذي ينكر مبدأ من مبادئ الدين ثم يتبجح بإنكار ممارسة

* يجب لكل عاقل أن يتنوع نقده للممارسات في شتى مجالات الحياة ولا يكون متصيدا للممارسات الدينية فقط فهذا مدعاة للتشكيك في نواياه

* ينبغي لكل مخلص أن يقرأ السطور الثلاثة الأخر من المقال جيدا وأن يستشعر عظم المسئولية التي يتحملها بتصديه لنقد الممارسات الدينية فقط وطول الوقت مهما كانت النية ومهما كانت الحجة

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل


No comments: