Monday, October 29, 2007

جمهورية أبو السباع الديموقراطية وولده زمبة

يحكى أنه ذات يوم أراد أبو السباع ملك الغابة العجوز أن تتحول غابته الى غابة ديموقراطية وأن يقوم هو وحاشيته من ذوي الأنياب والأظافر من أكلة اللحوم ، وسفكة الدماء بحملة تطهير للغابة من أعدائها الذين يشوهون صورتها أمام الغابات الأخرى ، ويظهرونها بمظهر الدكتاتورية التي تبطش برعاياها ، ومن ثم استدعى أبو السباع أبناءه الأشبال وزوجته -لبؤة الغابة الأولى- في الكهف الجمهوري وأفصح لهم عن مشروعه الديموقراطي ، فزأرت اللبؤة ممتعضة وقالت له
اللبؤة : انت كده يا ريس حتطمع الأوباش بتوع الغابة فينا ، واحنا ما صدقنا كل حيوان فيهم اتلم ودخل جحره واللي ما اتلمش أكلناه هو وأهله وخلصنا ، تقوم انت عايز تطلع لهم صوت تاني ؟
ابو السباع : مين قال اني عايز اعمل لهم أي قيمة ؟ أنا عايز الغابات اللي حوالينا تتكلم ان احنا غابة ديموقراطية .. بس ، يعني منظرة وفشخرة ، واللي يصدق يتاكل فورا .
ثم يلتفت الأسد الى الأشبال ويقول في غضب
ابو السباع : هو أنا لو طبقت الديموقراطية بجد حتلاقوا تاكلوا لحمة حاف ؟
ثم يشير الى احد أبنائه الذي يتقدم اليه في هبل واضح وهو يترنح وينظر الى الأرض وقد فتح فمه ولعابه يسيل على الأرض
أبو السباع : وانت يا زمبة يا ابني حاعرف اقعدك ازاي مكاني واسيب لك العرش بيضة مقشرة لو طبقت الديموقراطية بجد
اللبؤة (وهي تزمجر) : ما هي برضه غلطتك الاسم العرَة اللي سميته للواد
ابو السباع : هو أنا كنت قاصد ؟ أنا حبيت أسميه سيمبا زي الفيلم علشان يورث العرش بتاعي زي سيمبا ما ورث عرش أبوه ، لكن القرد المنادي - الله يخرب بيته -هو اللي سمع الاسم غلط وقد ينادي في الغابة "الأسد جابلكوا زمبة .. الأسد جابلكوا زمبة" فكل الحيوانات عرفته بالاسم ده وما قدرتش اغيره ، وبعدين ماله اسم زمبه ، ماهو زي اسم ابن حاكم الغابة اللي جنبنا اللي ورث الحكم من أبوه ، مش اسمه "منشار الأسد" كلها عِدد ... هاهاهاها
ثم يربت بحنان أسدي على كتف ابنه الأهبل ويقول
ابو السباع : ولا انت زعلان من الاسم يازمبة يا حبيبي ؟
زمبة : عايز لحمة .. عايز لحمة
ابو السباع : ملعون أبوك ابن كلب .. انت ما بتشبعش .. حاكفيك لحمة منين ؟
مش قادر تستنى شوية ، لما تحكم الغابة ابقى كُل الحيوانات اللي انت عايزها
اللبؤة : روح انت خليك في الديموقراطية بتاعتك دي ، وسيب الواد ياكل براحته ، مش غابة أبوه ؟
ينصرف الأسد من الكهف الجمهوري وهو يندب حظه في زوجته وأبنائه
الحلقة القادمة : القرارات الديموقراطية ، وتغيير الدستور

Tuesday, October 23, 2007

أغيثوا أهالينا في : دارفور المسلمة

أين تقع دارفور :

دارفور : إقليم واسع ، يقع غرب السودان، على الحدود مع تشاد وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى.. ومساحة دارفور حوالي نصف مليون كيلومترمربع، بحجم مساحة فرنسا، ويمثل 20% من مساحة السودان ، وفيها مناطق زراعيةخصبة، ومرتفعات جبلية عالية أعلاها جبل مرة الذي يزيد ارتفاعه على ثلاثة آلاف متر وعاصمة دارفور مدينة الفاشر

السكان والتركيبة السكانية :

ويبلغ عدد سكان إقليم دار فور نحو‏6.7‏ مليون نسمة ، وجميع سكانه مسلمون "سنّة" ، ومعظم سكان دارفور من أهل القرآن ، وحفاظ القرآن فيها كثيرون، وتنتشر فيها مدارس تعليم وتحفيظ القرآن. وتخرج دارفور حفاظ وعلماء القرآن ، الذين ينطلقون إلى مختلف أقاليم السودان ، يعلمون فيها الناس القرآن. وذهب كثير من حفاظ القرآن في دارفور إلى أقاليم السودان الجنوبية ينشرون فيها أنوار القرآن بين السكان الجنوبيين ، ولذلك تعتبر دارفور قلعة القرآن في السودان

ونظرا للمساحة الشاسعة للإقليم وضعف الحكومات المركزية في الخرطوم فقد انتشر السلاح في الإقليم وتفاقمت النزاعات القبلية ‏.‏
وقد انقسم الإقليم منذ عام ‏1994‏م إلى ثلاثة أقاليم متجاورة ومختلطة الأعراق‏ وهي الغرب والشمال والجنوب‏، و تبلغ نسبة الجماعات الإفريقية نحو‏60%‏ بينما تبلغ نسبة العرب الـ ‏40 %‏ الباقية‏.
ويقطن في الريف ‏75%‏ من سكان دارفور، بينما يمثل الرعاة الرحل حوالي‏ 15%‏، والباقون يقيمون في بعض المدن، مثل الفاشر، ونيالا، وزالنجي
.

وتنقسم القبائل في دارفور إلى قسمين هما : "القبائل المستقرة" وهي تلك القبائل الموجودة في المناطق الريفية مثل: "الفور" باسمها سمي الاقليم فمعنى دارفور : أرض فور ، و"المساليت" و"الزغاوة"، و"الداجو" و"التنجر" و"التامة"، وغالبيتهم من الأفارقة، ويتكلمون لغات محلية إضافة إلى العربية، وبعضهم من العرب، والقسم الثاني هو: "القبائل الرحل" وهي تلك القبائل التي تتنقل من مكان لآخر بحسب وجود الماء والرعي، وهي قبائل وفدت للمنطقة مثل : "أبالة" و"زيلات" و"محاميد" و"مهريه" و"بني حسين" و"الرزيقات" و"المعالية"، و غالبيتهم عرب يتحدثون اللغة العربية، ومنهم أيضا أفارقة

تاريخ دارفور
وقد انضمت منطقه دارفور إلى السودان عام‏ 1916‏ إلا أن ذلك لا يعني أنها لم تكن تابعة للسودان قبل ذلك، حيث إنها خضعت للعهد المصري من خلال الزبير باشا في الفترة من ‏1884‏ إلى ‏1898‏، ثم دانت للدولة المهدية من ‏1884‏ إلى‏ 1898‏، وبقيت مستقلة كفترة انتقالية قصيرة في الفترة من ‏1898‏ إلى ‏1916‏ تحت حكم السلطان علي دينار إلى أن عادت للخضوع للحكم الثنائي منذ عام‏ 1916‏ وحتى استقلال السودان عام ‏1956.

وقد كانت دارفور مملكة إسلامية مستقلة لعدة قرون ، حتى وقت قريب وقد دخلها الإسلام واستقر فيها منذ القرون الأولى ، ولها تاريخ إسلامي راسخ وحكمها سلاطين وملوك مسلمون ، من أشهرهم السلطان "علي دينار" الذي أدى مناسك الحج في القرن التاسع عشر، وكان سلطاناً غنياً قوياً، ولما مر بأرض الميقات، التي كانت تسمى الجحفة قام بتعميرها وإصلاحها، وحفر الآبار و قام بتوفير المياه فيها خدمة للحجاج والمعتمرين، وسميت المنطقة باسمه " آبار علي" التي نحرم منها عندما نخرج من المدينة. وكانت سلطنة دارفور الإسلامية قوية وغنية، بحيث كانت تصنع فيها كسوة الكعبة زمن السلطان "علي" وبعده..

أصل النزاعات

كانت أسباب النزاعات في دارفور ترجع دائمة لأسباب طبيعية مثل الاختلاف علي الرعي والأرض ،‏ وليس لأسباب عقائدية لأن سكان دارفور كانوا منذ دخولهم الإسلام مخلصين له ،‏ ومن اجله حاربوا في صفوف الخلافة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولي مما جعلهم عرضه لانتقام بريطانيا بعد الحرب وشهدت دارفور التمرد تلو الآخر منذ الستينات من القرن الماضي بإيعاز من أبناء الإقليم المقيمين في الخارج فكان هناك تمرد حركة سوني وتمرد جبهة نهضة دارفور‏،‏ وجبهة الدكتور دريج وحرير وأخيرا تمرد حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان والتحالف السوداني الديمقراطي الفيدرالي‏,‏ وهذا الأخير كان محركه الأول هو الرغبة في اقتسام عائدات البترول برغم ان الديون الخارجية للحكومة المركزية تصل إلي ‏24‏ مليار دولار بينما يبلغ إجمالي عائدات البترول السنوية ملياري دولار،‏ ومما يؤكد ذلك أن هذا التمرد لم يظهر إلا بعد ظهور البترول في جنوب ووسط السودان‏.‏
وفي العقود الأخيرة تكاتفت عدة عوامل وأدت إلي اشتعال الصراع بصورة واضحة‏,‏ وأهم هذه العوامل :-
-
فترات القحط والجفاف‏.
-
التنافس علي الموارد الضئيلة‏.
-
سهولة الحصول علي الأسلحة وهو ما أدى إلي إراقة المزيد من الدماء في نزاعاتهم المحلية.
-
إلي جانب عامل سياسي مهم حدث في عام ‏1994‏ عندما أعيد التنظيم الإداري لإقليم دارفور وتم بمقتضاه منح أفراد الجماعات العرقية مناصب في السلطة‏ ‏، وهو ما رأته طائفتا المساليت و فور بمثابة تقويض لدورهما في الإقليم الذي يشكلان أغلبية سكانه‏.
كل هذه العوامل السابقة أدت إلي اشتعال الصراع‏,‏ حيث نشبت الاشتباكات الطائفية المسلحة في غربي دارفور وغيرها في عامي ‏1998 ،‏ ‏1999‏ حين بدأ العرب الرحل في النزوح مع قطعانهم نحو الجنوب قبل الوقت المعتاد‏ ‏ ونتيجة لذلك اندلعت الاشتباكات بين الطائفتين‏ ،‏ حيث أحرق ما يزيد على ‏60‏ قرية من قري طائفة ‏(‏مساليت‏),‏ وقرية عربية واحدة ‏..‏ كما قتل ما يقرب من‏ (69)‏ من أبناء المساليت في مقابل‏ (11)‏ عربيا‏,‏ ونزح نحو ‏(خمسة آلاف)‏ من أبناء المساليت إما إلي بلدة ‏(جنينة‏)‏ أو‏(‏ تشاد(.
ورغم المصالحة والاتفاق علي دفع تعويضات للجانبين عن طريق زعماء القبائل المحلية‏,‏ إلا أن الاشتباكات تجددت في عام ‏1999‏ عندما نزح الرعاة الرحل مجددا نحو الجنوب قبل الوقت المعتاد لذلك‏‏ ، واتسمت الاشتباكات في ذلك الوقت بالمزيد من سفك الدماء‏,‏ حيث تعرضت ‏125‏ قرية من قري المساليت للإحراق والهجمات‏ ، وسقط العديد من القتلى والجرحى‏,‏ وكان من بين القتلى عدد من زعماء القبائل العربية‏ ،‏ وتدخلت الحكومة السودانية عسكريا ،‏ وتم عقد مؤتمر مصالحة آخر تم فيه الاتفاق علي تعويض خسائر طائفة مساليت وخسائر العرب‏.‏
وفي أوائل عام ‏2003‏ دخل الصراع منعطفا جديدا‏,‏ حيث قام متمردون من جيش التحرير السوداني وحركة العدل والمساواة بمهاجمة أهداف حكومية في إقليم دارفور متهمين الحكومة السودانية بالتحيز لصالح العرب ضد الأفارقة السود المساليت والفور

التنظيمات المسلحة

هناك ثلاثة تنظيمات مسلحة في دار فور ترتبط بشكل أو بآخر بالقتال الجاري الآن في دارفور
1- جيش تحرير السودان‏ : التنظيم الأكثر نشاطا والذي تنسب له معظم العمليات العسكرية، ويترأسها محامٍ سوداني شاب هو عبد الواحد محمد نور الذي ينتمي إلى قبيلة الفور ، وتنادي بحكم ذاتي موسع، وإعادة بناء السودان على أسس جديدة
2- حركة العدالة والمساواة :‏ التي يقودها‏ "خليل إبراهيم"‏ المقيم الآن في لندن، وتدعو‏ "حركة العدالة والمساواة"‏ إلى فصل الدين عن الدولة وبناء سودان جديد مدني وديمقراطي
3- حزب التحالف الفيدرالي : الذي يتزعمه أحمد إبراهيم دريج، وهو سياسي سوداني من غرب السودان ينتمي إلى قبيلة الفور

ميليشيات الجنجويد

يقصد بكلمة "جنجاويد" : الرجل الذي يركب جوادا ويحمل مدفعا رشاشا، وغالبا ما يرتدون ثيابا بيضاء مثل أهل السودان ، ويركبون الخيل ، ويهاجمون السكان والمتمردين معا في دارفور .
وعلى حين تتهم حركات التمرد الثلاثة في دارفور ووكالات الإغاثة الدولية الجنجاويد بأنهم أعوان الحكومة وتابعوها ، وأنهم عرب يشنون هجمات عنيفة على الأفارقة السود ، تنفي الحكومة ذلك، وتقول: إنهم يهاجمون قواتها أيضا . ومعظم أفراد الجنجويد ينتمون إلى جماعات البدو أو الرعاة الناطقين بالعربية في درافور، لكن الجماعات "العربية" لم تنضم جميعها إلى الجنجويد. ويقال إن أشخاصاً ينتمون إلى جماعات "عربية" في أجزاء أخرى من غرب أفريقيا مثل تشاد وموريتانيا وليبيا ، قد انضموا أيضاً إلى الجنجويد، لكن أغلبية المقاتلين ما زالت تنتمي إلى المنطقة كما يبدو.
وينسب إلى هذه الميليشيات أنها تقوم بعمليات قتل واغتصاب وتشويه ونهب وإحراق البيوت، وتشريد الأشخاص، وكان نتيجة ذلك أن فر نحو مليون نسمة من ديارهم بينما قتل مالا يقل عن‏ (10)‏ آلاف شخص‏ ، بالإضافة لتعرض الآلاف لخطر المجاعة في المخيمات
.

وأخيرا : هل تعلم

- يعاني السودان من مخاطر كبيرة تهدد كيانه المستقل وتؤجج الإثنيات ،‏ والعرقيات المتعددة والتي يصل عددها إلي‏572‏ عرقية تلك المخاطر خاصة مع وجود أكثر من‏30‏ حركة تمرد في السودان تسعي جميعها للانفصال وتكوين دويلات مستقلة مما يعني في النهاية انتهاء وحدة البلاد‏.‏

- نجحت عشرات المنظمات التنصيرية تحت مسمى "منظمات إنسانية" في تشويه صورة حكومة السودان وتصويرها على أنها مصاصة دماء لأهالي دارفور رغم أن كل أهل دارفور مسلمون وليس بينهم مسيحي واحد، وكان أبرز هذه المنظمات: "جملك يا ربي وأوكسفام والرؤيا العالمية والإغاثة الكاثوليكية للتنمية ومنظمة التعاون السويسرية والعمل لأجل مكافحة المجاعة وأفريكار" وغيرها من المنظمات التنصيرية العاملة هناك

- قرار الأمم المتحدة رقم 1706 عباراته صيغت بطريقة غرضها تفتيت السودان الفيدرالي القابل للتفتت أصلا نتيجة نزاعات أهله في الشمال والجنوب والشرق والغرب
-
أن قضية دارفور لم تناقش للحل في أي مؤتمر اسلامي حتى الآن وانما ذكرت من باب الندب والنواح

-هناك ما لا يقل عن 170000 لاجئ في تشاد ينتمون جميعهم تقريباً إلى ولاية غرب دارفور وقد جاءوا من مناطق الفور والمساليت والزغاوى القريبة من الحدود.

-وهناك الآن حوالي 1.2 مليون شخص مهجر داخلياً، معظمهم في المخيمات أو المستوطنات التي انتشرت بين المراكز السكانية
-
أن ما ينفقه العرب في صيف واحد على الترفيه والجنس والقمار يمكن أن يحل جميع مشاكل دارفور حتى عام 2010

جهود الاغاثة التي قامت بها الجمعية الشرعية بمصر في السودان

هل تريد أن تعرف المزيد عن قضية دارفور ؟

هل تريد معرفة الدور الفرنسي والألماني والصهيوني هناك ؟

اضغط هنا


Thursday, October 18, 2007

مالك بن دينار

السيد الكبير الوليِّ الشهير أبو يحيى مالك بن دينار، البصري، الزاهد المشهور، عَلَمُ العُلَمَاءِ الأَبْرَارِ، مَعْدُوْدٌ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ .
كان مولى لبني أسامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ، وكان يكتب المصاحف بالأجرة، أقام أربعين سنة لا يأكل من ثمار البصرة، ولا يأكل إلا من عمل يده
وُلِدَ: فِي أَيَّامِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قِيْلَ: كَانَ أَبُوْهُ دِيْنَارٌ مِنْ سَبْي سِجِسْتَانَ، وَكَنَّاهُ النَّسَائِيُّ: أَبَا يَحْيَى، وَقَالَ: ثِقَةٌ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ فَمَنْ بَعْدَه، وَحَدَّثَ عَنْهُ.
وَعَنِ: الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَوْذَبٍ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَأَبَانُ بنُ يَزِيْدَ العَطَّارُ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَرْبٍ، وَالحَارِثُ بنُ وَجِيْهٍ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم، وَ
هُوَ لَيْسَ مِنْ أَسَاطِيْنِ الرِّوَايَةِ.
وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ.
وَاسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ، وَحَدِيْثُه فِي دَرَجَةِ الحَسَنِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مَالِكٌ: ثِقَةٌ، قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، كَانَ يَكْتُبُ المَصَاحِفَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ: ثِقَةٌ، وَلاَ يَكَادُ يُحَدِّثُ عَنْهُ ثِقَةٌ.
قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: مَا أَدْرَكتُ أَحَداً أَزْهَدَ مِنْ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ.

قصة توبته
يروى عن مالك بن دينار رضي الله عنه أنه سئل عن سبب توبته فقال:كنت منهمكا في شرب الخمر، ثم إني اشتريت جارية نفيسة فأحببتها وأحسنت اليها، وولدت لي بنتا فشغفت بها، فلما دبت على الأرض ازداد حبي لها وكنت اذا وضعت المسكر جاءت إلي وجاذبتني إياه وأهرقته على ثوبي، ثم لما تم لها سنتان ماتت فأكمدني الحزن عليها. ولما كانت ليلة النصف من شعبان، وكانت ليلة جمعة بت ثملا من الخمر ولم أصل العشاء إثر ذلك فرأيت في منامي كأن القيامة قد قامت ونفخ في الصور وبعثر ما في القبور وحشر الخلائق وأنا معهم، فسمعت حسا فالتفت فإذا بتنين عظيم أسود أزرق قد فتح فاه مسرعا نحوي، ففرت بين يديه هاربا فزعا مرعوبا، فمررت في طريقي فإذا أنا بشيخ نقي الثياب طيب الرائحة، فسلمت عليه فرد السلام، فقلت له أيها الشيخ أجرني من هذا التنين أجارك الله عز وجل، فبكى، وقال أنا ضعيف وهذا أقوى مني، فوليت هاربا على وجهي، فصعدت على شرف القيامة، فأشرفت على طبقات النيران، فكدت أهوي فيها من فزعي، فصاح صائح ارجع فلست من أهلها، فاطمأننت ورجعت، ورجع التنين في طلبي، فأتيت الشيخ، فقلت سألتك أن تجيرني من هذا التنين فلم تفعل، فبكى فقال أنا ضعيف، ولكن سر إلى هذا الجبل فإن فيه ودائع للمسلمين فإن لك فيه وديعة فتنصرك، فنظرت إلى جبل مستدير من فضة فيه طاقات مخرّمة وستور معلقة، على كل طاقة مصراعان من الذهب الأحمر، مفصلة بالياقوت، مكفوفة بالدر، على كل مصراع ستر من الحرير، فلما نظرت إلى الجبل هرولت إليه والتنين من ورائي، حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع وأشرفوا، فرأيت أطفالاً كالأقمار، وقرب التنين مني فحرت في أمري، فقال بعض الأطفال ويحكم أشرفوا كلكم فقد قرب منه عدوه، فأشرفوا فوجا بعد فوج وإذا بابنتي التي ماتت قد نظرت إلي وبكت، وقالت أبي والله، ثم وثبت في كفة من نور كرمية السهم حتى صارت عندي، ومدت يدها الشمال إلى يدي اليمين، فعلقت بها، ومدت يدها اليمين إلى التنين فولى هاربا، ثم أجلستني وقعدت في حجري، وضربت بيدها اليمين إلى لحيتي، وقالت يا أبت {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} فبكيت، وقلت أنتم تعرفون القرآن؟ فقالت نحن أعرف به منكم أيها الأحياء، فقلت فأخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني، قالت ذلك عملك السيئ قويته فأراد أن يغرقك في نار الجحيم، قلت فالشيخ ؟ قالت ذاك عملك الصالح أضعفته حتى لم يكن له طاقة بعملك السيئ، فقلت يا بنية ما تصنعون في هذا الجبل؟ قالت أطفال المؤمنين قد اسكنوا فيه إلى أن تقوم الساعة ننتظركم تقدمون علينا فنشفع لكم، فانتبهت فزعا مرعوبا، فكسرت آلات المخالفة وتركت جميع ذلك وعقدت مع الله توبة نصوحا فتاب علي سبحانه

من أقواله ورواياته

قَالَ مَالِك بنَ دِيْنَارٍ : وَدِدْتُ أَنَّ رِزْقِي فِي حَصَاةٍ أَمْتَصُّهَا، لاَ أَلتمِسُ غَيْرَهَا حَتَّى أَمُوْتَ.
وَقَالَ: مُذْ عَرَفْتُ النَّاسَ لَمْ أَفرَحْ بِمَدحِهِم، وَلَمْ أَكرَهْ ذَمَّهُم؛ لأَنَّ حَامِدَهُم مُفرِطٌ، وَذَامَّهُم مُفرِطٌ، إِذَا تَعَلَّمَ العَالِمُ العِلْمَ لِلْعَملِ، كَسَرَهُ، وَإِذَا تَعَلَّمَه لِغَيْرِ العَمَلِ، زَادَهُ فَخراً.
ومَرَّ المُهَلَّبُ عَلَى مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ مُتبخْتِراً، فَقَالَ: أَمَا عَلِمتَ أَنَّهَا مِشْيَةٌ يَكرَهُهَا اللهُ إِلاَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ؟!
فَقَالَ المُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟
قَالَ: بَلَى، أَوَّلُكَ نُطفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُكَ جِيْفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ تَحْمِلُ العَذِرَةَ.
فَانْكَسَرَ، وَقَالَ: الآنَ عَرَفْتَنِي حَقَّ المَعْرِفَةِ.
وقَالَ مَالِك بنِ دِيْنَارٍ: إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي القَلْبِ حُزْنٌ خَرِبَ.
وقَالَ مَالِك بنِ دِيْنَارٍ: مَنْ تَبَاعدَ مِنْ زَهرَةِ الدُّنْيَا، فَذَاكَ الغَالِبُ هَوَاهُ.
وقَالَ مَالِك بنِ دِيْنَارٍ: مَا مِنْ أَعْمَالِ البِرِّ شَيْءٌ، إِلاَّ وَدُوْنَهُ عُقَيْبَةٌ، فَإِنَّ صَبَرَ صَاحِبُهَا، أَفَضتْ بِهِ إِلَى رُوْحٍ، وَإِن جَزِعَ، رَجَعَ.
وَقِيْلَ: دَخَلَ عَلَيْهِ لِصٌّ، فَمَا وَجَدَ مَا يَأْخُذُ، فَنَادَاهُ مَالِكٌ: لَمْ تَجِدْ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا، فَتَرغَبُ فِي شَيْءٍ مِنَ الآخِرَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: تَوَضَّأْ، وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.
فَفَعَلَ، ثُمَّ جَلَسَ، وَخَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، فَسُئِلَ: مَنْ ذَا؟
قَالَ: جَاءَ لِيَسرِقَ، فَسَرَقْنَاهُ.
وقَالَ مَالِك بنِ دِيْنَارٍ: خَرَجَ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَذوقُوا أَطْيَبَ شَيْءٍ فِيْهَا.
قِيْلَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: مَعْرِفَةُ اللهِ تَعَالَى.
وقَالَ مَالِك بنِ دِيْنَارٍ: إِنَّ الصِّدِّيْقِيْنَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ، طَرِبَتْ قُلُوْبُهم إِلَى الآخِرَةِ.
ثُمَّ يَقُوْلُ: خُذُوا.
فَيَتْلُو، وَيَقُوْلُ: اسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ الصَّادِقِ مِنْ فَوْقِ عَرْشِه.
وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ، قَالَ:
أَتَيْنَا أَنَساً - رضي الله عنه -أَنَا، وَثَابِتٌ، وَيَزِيْدُ الرَّقَاشِيُّ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، فَقَالَ:
مَا أَشْبَهَكم بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَنْتُم أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عِدَّةِ وَلَدِي، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنُوا فِي الفَضْلِ مِثْلَكم، إِنِّي لأَدعُو لَكُم فِي الأَسحَارِ.
قَالَ السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: قَالَ مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ:
إِنَّهُ لَتَأْتِي عَلَيَّ السَّنَةُ لاَ آكُلُ فِيْهَا لَحماً إِلاَّ مِنْ أُضحِيَتِي يَوْمَ الأَضْحَى.
ووقع حريق بداره بالبصرة فخرج متزراً ببارية وبيده مصحف، وقال: فاز المخفون
وقَالَ مَالِك بنِ دِيْنَارٍ: وَدِدْتُ أَنَّ اللهَ يَجْمَعُ الخَلاَئِقَ، فَيَأْذَنُ لِي أَنْ أَسجَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَعْرِفُ أَنَّهُ قَدْ رَضِي عَنِّي، فَيَقُوْلُ لِي: كُنْ تُرَاباً.
قَالَ رِيَاحُ بنُ عَمْرٍو القَيْسِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ:
دَخلَ عَلَيَّ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ وَأَنَا أَكْتُبُ، فَقَالَ: يَا مَالِكُ، مَا لَكَ عَمَلٌ إِلاَّ هَذَا؟
تَنقُلُ كِتَابَ اللهِ، هَذَا -وَاللهِ- الكَسْبُ الحَلاَلُ.
وَعَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانَ أُدمُ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِفِلْسَيْنِ مِلْحٍ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ يَنسَخُ المُصْحَفَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَيَدَعُ أُجْرَتَه عِنْدَ البَقَّالِ، فَيَأْكُلُه.
وقَالَ مَالِك بنِ دِيْنَارٍ: لَوِ اسْتَطَعْتُ لَمْ أَنَمْ مَخَافَةَ أَنْ يَنْزِلَ العَذَابُ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ، النَّارَ النَّارَ.
وقَالَ مَالِك بنِ دِيْنَارٍ: إنك إن تنقل الأحجار مع الأبرار خير لك من أن تأكل الخبيص مع الفجار. وأنشد:
وصاحب خيار الناس تنج مسلما وصاحب شرار الناس يوما فتندما‏
وقال مالك بن دينار: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم
وقال مالك بن دينار: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى، والآخرة من خزف يبقى، لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى، على ذهب يفنى. قال: فكيف والآخرة من ذهب يبقى، والدنيا من خزف يفنى.‏
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال: القيامة عرس المتقين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن دينار قال: إنما سمي الدينار لأنه دين، ونار، قال: معناه أن من أخذه بحقه فهو دينه، ومن أخذه بغير حقه فله النار.
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال: قرأت في التوراة من يزدد علما يزدد وجفا. وقال: مكتوب في التوراة من كان له جار يعمل بالمعاصي فلم ينهه فهو شريكه.
وأخرج أبو الشيخ عن مالك بن دينار رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} قال: بلغني أنه يدعى يوم القيامة بالمُذَكِّر الصادق، فيوضع على رأسه تاج الملك، ثم يؤمر به إلى الجنة فيقول: إلهي إن في مقام القيامة أقواما قد كانوا يعينوني في الدنيا على ما كنت عليه. قال: فيفعل بهم مثل ما فعل به، ثم ينطلق يقودهم إلى الجنة لكرامته على الله.
وأخرج أبو الشيخ، عن مالك بن دينار - رضي الله عنه - قال: كلما أحدثتم ذنبا، أحدث الله لكم من سلطانكم عقوبة.
وأخرج أبو الشيخ، عن مالك بن دينار - رضي الله عنه - قال: قرأت في بعض الكتب: "إني أنا الله مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فلا تشغلوا قلوبكم بسب الملوك، وادعوني أعطفهم عليكم".
وأخرج ابن المنذر عن مالك بن دينار قال: أقسم لكم لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا صدع قلبه.
وقَالَ مَالِكُ بنِ دِيْنَارٍ: إذا لم يعمل العالم بعلمه زلت موعظته من القلوب كما يزل القطر من الصفا وأنشد
يا واعظ الناس قد أصبحت متهماً * إذ عبت منهم أموراً أنت تأتيها
وقَالَ مَالِكُ بنِ دِيْنَارٍ: رضي الله تعالى عنه إذا رأيت قساوة في قلبك ووهناً في بدنك وحرماناً في رزقك فاعلم أنك تكلمت فيما لا يعنيك
وقَالَ مَالِكُ بنِ دِيْنَارٍ: والله لو كان الناس يشمون روائح المعاصي ما استطاع أن يجالسني أحد من نتن ريحي.
وقَالَ مَالِكُ بنِ دِيْنَارٍ: قرأت في التوراة: إذا استكمل العبد النفاق ملك عينيه. أي يبكي بهما متى شاء.
وقَالَ مَالِكُ بنِ دِيْنَارٍ: المنافقون في المسجد كالعصافير في القفص.‏
حدثنا فطر بن حماد حدثنا أبي قال: سمعت مالك بن دينار يقول: يقول الناس: مالك بن دينار يعني مالك بن دينار زاهد إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها.‏
كان مالك بن دينار يقول: والله لو حلف إنسان بأن أعمالي أعمال من لا يؤمن بيوم الحساب لقلت له صدقت ، لا تكفر عن يمينك
ورأى شخص في المنام مالك بن دينار في الجنة فأتاه يبشره بذلك فقال له مالك أما وجد إبليس أحدا يسخر به غيري وغيرك
وكانت السحابة إذا مرت عليه وهو يملي الحديث يسكت ويرتعد ويقول اصبروا حتى تمر فإني أخاف أن تكون فيها حجارة ترجمنا بها.
وسألوه يوما أن يخرج معهم للاستسقاء، فقال بالله عليكم اتركوني فإني أخاف أن لا تسقوا بسببي.
وروي عن مالك بن دينار أنه قال: إني أجيز شهادة القراء على جميع الخلق ولا أجيز شهادة القراء بعضهم على بعض لأني وجدتهم حسادا.
وروي أن مالك بن دينار رحمه اللَّه تعالى كان جالساً ذات يوم. فجاء سائل وسأله شيئاً ، وكان عنده سلة تمر، فقال لامرأته ائتيني بها، فأخذها مالك فأعطى نصفها إلى السائل وردّ نصفها إلى امرأته، فقالت له امرأته مثلك يسمى زاهداً: هل رأيت أحداً يبعث إلى الملك هدية مكسرة؟ فدعا مالك بالسائل وأعطاه البقية، ثم أقبل على امرأته فقال لها يا هذه اجتهدي ثم اجتهدي، فإن اللَّه تعالى قال {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} فيقال من أين هذه الشدة قال {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ العَظِيمِ، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ} اعلمي أيتها المرأة قد طرحن عن عنقنا نصفها بالإيمان فينبغي أن نطرح النصف الآخر بالصدقة.
وعن مالك بن دينار قيل له كيف أصبحت؟ قال كيف يصبح من كان منقلبه من دار إلى دار ولا يدري إلى الجنة يصير أم إلى النار.
وقَالَ مَالِكُ بنِ دِيْنَارٍ: إني لأغبط الرجل يكون عيشه كفافاً فيقنع به.
حدث المغيرة بن حبيب ختن مالك بن دينار أنه قال: يموت مالك بن دينار وأنا معه في الدار ولا أدري ما عمله. قال: فصليت العشاء الآخرة ثم جئت فلبست قطيفة في أطول ما يكون الليل. قال: وجاء مالك فقرب رغيفه فأكل ثم قام إلى آخر الصلاة، فاستفتح ثم أخذ بلحيته فجعل يقول: "إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار" فو الله ما زال كذلك حتى غلبتني عيني، ثم انتبهت فإذا هو على تلك الحال يقدم رجلاً ويؤخر أخرى يقول: "يارب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرّم شيبة مالك بن دينار على النار" فما زال كذلك حتى طلع الفجر.

قَالَ السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: تُوُفِّيَ مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ

Photo Sharing and Video Hosting at Photobucket

Wednesday, October 17, 2007

منهجيةٌ إبداعيةٌ ...في استثمار الخلــود

أ. محمد أحمد الراشد

مُـنذ أيام طفولتي : كنتُ فتىً ليس مثل بقية الفتيان ، بل أميل إلى الوقار والجد والسكينة ، إذ صحبي وأقراني يتداولون الهزل الرخيص ، والكلام البذيء ، والشتائم ، ويحفظ أحدهم قائمة طويلة من الألفاظ العدوانية التي تتهم أعراض الناس ، وأنسابهم ، ويخلطونها بكذب ، ولكني بقيتُ على عفاف اللسان ، والبراءة من الإقذاع ، والصدق ، ولا أذكر أبداً أنـي خنت أحداً ، أو كذبت عليه ، مع وفور الطاعة لأساتذة المدرسة ، واحترام من هو أكبر مني ، وما كنتُ كسولاً ، بل أشارك أقراني لعب الكرة ، والركض ، ولا أغيب عن السباحة ولا ليوم واحد في العطلة الصيفية ، وأنا سبّاح ماهر عبرتُ دجلة وعمري ثماني سنوات فقط دون الاستعانة بأحد ، يوم كان دجلة وافر المياه عريضا ، وتجوالي على الدراجة الهوائية يملأ نصف وقتي ، وكانت دارنا في الأعظمية بجنب بعض بقايا بستان أصلان باشا ، فشبعتُ في طفولتي من الرُطَب والنبق ، نرميه بالحجر أو المصيادة فيقع ونلمّه ونأكله بلا غسل ، بل بالنفخ عليه ، ومع ذلك إذا رجعتُ إلى البيت يضع شقيقي الأكبر مجلة الرسالة للزيات في يدي وآتي عليها من الغلاف إلى الغلاف ، وأنا لا أفهم منها إلا قليلاً ، ولكنْ تترسب منها في اللاشعور بعض معانيها ، فتَضاعفَ سَمْت الجدّ الذي فطرني الله عليه ، وما كان هناك تلفزيون يلهينا في ذلك الوقت ، بل كان افتتاح محطته في أواخر سنة 1954 بعدما جلبته شركة بريطانية إلى معرض بغداد ، فاشترته الحكومة منها ، وكانت قضية فلسطين تلك الأيام في ذروة الاهتمام ، وانعكس ذلك علينا في صِبانا ، وحدثت مظاهرات إسقاط معاهدة بورتسموث ، فزاد انفعالُنا وتداولُنا لحديث السياسة مبكراً ، وبدأت المطابع تنـتـج كتباً عن تاريخ الحرب العالمية الثانية وقصص رومل وغيره ، فتضاعف اهتمامي ، حتى وجدت نفسي في صفوف الدعوة وأنا ناشئ في المدرسة المتوسطة .
فأضافت النقلة الدعوية حَفنـتين من الجد والصرامة إلى ما منـحتني إياه الفطرة والظروف السياسية المتأججة ، بحيث يتداول معنا مربونا أخبار الدول ، والجهاد ، وأوصاف جـِنانٍ وفَراديسَ يحتلها الشهداء وأبطال القتال في فلسطين وقناة السويس ، ثم لما سرنا مرحلة اُخرى ودفعونا إلى مجالس العلماء ودراسة صحيح البخاري على الشيخ عبد الكريم الملقب بـ الصاعقة سَرَتْ إلينا روح صواعقية تقلقنا عن الهزل والمزاح وكثرة الضحك ، ولما شرعنا نـحضر دروس وخطب الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي بدأنا نـُدرك اختلاف المدارس الاجتهادية الفقهية ، وانـحزنا لأقوال ابن تيمية ، وأصبحت لنا جولات عريضة مع مدونات ابن قيّم الجوزية ، إذ ما يزال أترابنا يسرحون ويمرحون ويقتربون من باطل اللهو وينـحدرون إلى رخيص الآمال والقول ، وازدادت أشواقنا إلى الجنة لما وُضع في أيدينا حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم ، وبلاد الأفراح هي : الجنـّة ، لما فيها من خيرات تجلب السرور للمتـنعم بها ، فزاد عُلوّاً مستوى اهتمامنا ، وصرنا خَلقاً آخر ، يسوقُنا طموح ، وتسيطر علينا رقابة ذاتية ، ونتج جيل من الشباب كأنهم شيوخ ، يتجردون في عصرٍ ماديٍ كثيف الإغراء ، لكنّ مسارح الحلال بقيت واسعة علينا ، وكنا أشدّ متعة بعواطفنا من مستعجل رَسَف في أغلال الدنيويات ، ونتج من هذا التصاعد التدريجي استواءٌ لنا في فَلك الجد والمثـابرة الدائـبة ، وامتلكنا حصيلة من الأشواق الاُخروية ، والنظر إلى ثواب عند الله تـتضاءل عندما نتصوره ملذات الدنيا الحلال فضلاً عن الحرام ، لأن المهمة الإصلاحية التي حُـمِّـلنا إيّاها تجسمت لنا وأقنعتنا بأنها عملية ضخمة تـتطلب نذر النفس ، وكثرة التعلّم والتفكر ، والجلوس المتكرر للنظر في مصالح المسلمين ، ومن طول الوتيرة الجادّة : تحوّلت إلى سلوك تلقائي غير متكلف .
هنا ، وفي ثنايا هذا الاندماج القلبي الروحي مع المهمة الجبارة الدعوية بدأت تسري عندي حالة اجتهاد في تحديد المذهب الأخروي الذي يُسيّرني ويدفعني ، هي فرع من الاجتهادات الفقهية التي تـتمايز بها مذاهب الفقهاء ، وتشكلت لديّ وفي مُخيّلتي صورة الحياة التي اُريدها في الجنـّة ، وجعلت أقول لنفسي : ويحك من مشترٍ لشيء مجاني مبذول ! !
لقد تكلمت الآيات والأحاديث الصحيحة عن قصور وحدائق في الجنة ، وأنهار ، ولَبَن وعسل مصفى ، فلماذا تشغل نفسك وهي مضمونة ، وتكثر الدعاء أن تكون هذه الخيرات من جُملة ما يُمنـح لك وهي أدنى الجنة ربما ، لكنْ اطلب الجنة في دعائك وسَل الله شيئاً فيها مُبتكراً تحبُّه وقد فاتك في الحياة الدنيا إلا قليلا ! !
ويكون إلحاح من الصالحين أن يرزقهم الله الحُور العـِين الحِسان ، فأقول لنفسي : ما هذا والأمر أسهل ؟ بل ادع الله أن يـميتك شهيداً ، منـحةً منه لما يعلم من عفاف وبذل ، فتزف الشهادةُ لك سبعينَ حورية ، وعندئذ اختارُهنّ عشر عربيات ، وعشر غربيات بيض ، وعشر زنجيات سود ، وعشر صينيات ، وعشر يابانيات ، وعشر فلبـينيات ، ثم البقية من الأمم الأخرى .
وكل ذلك إنما هو هامش ربح الجنة ، ولكن أطلب اللذات الكبار ، ورأس المال ، والعوالي ، والنوادر ، والغرائب ، والامتيازات ، فإن النشوة في هذه .
وأول أشواقي : إلى الخيل العربية الرشيقة ، فإني اُريد أن يكون لي فَرَس أدهم أسود يلمع كأنه فحمة ، وآخر أبيض كأنه قُطنة ، وأبلق يجمع بُـقَعاً من السواد على البياض ، فيسبحنَ بي في براري الجنة الفسيحة سويعاتٍ كل يوم ، وقد حُرمت من الفروسية في الدنيا ، ولم تـُتح لي رغم شدة شغفي ، فلعل الله سبحانه يَمُنّ بها عليّ ، حتى إذا امتلأت نفسي من ركوب الخيل عند الضحى العالي : أردفتُ واحدة من نسائي خلفي ، واخترقت غابات الجنة ، ليكون إيابي ظهراً .
لكني في بعض الأيام اُريد أن تـُسرع بي دراجة نارية أو اُسابق جيراني ، فإني محروم منها كذلك ، حتى أميل عند الاستدارات وإن ركبتي لتكاد تلامس الأرض ، كما أرى في التلفزيون .
وساعة أتجول بمنطاد لأرى تضاريس الجنة من سمائها ، وفي أخرى أهبط بالمظلة وأتقلب في جو الجنة ، وفي يوم ثالث تُحلق بي طائرة شراعية فأطوف حول الجبل البعيد .
إلا أن ذروة لذتي تكون في أن أقود عشرة من أصحابي ، في زوارق صغيرة ، نـناحر تيارات أنهار الجنة في عمق غاباتـها وبين جبالها ، فإني كنتُ دعوتُ الدعاة إلى مغامرات مثيلة في أنهار آسيا والأمازون والـمِـيسسبي ، ولكن تطويق العمل الإسلامي لنا في زمن الأزمات والحاجة إلى كثرة الاجتماعات منعتنا من ذلك ، وقياداتنا يابسة لا ترى في مثل هذه المغامرات تربية لنا وتنمية لشخصياتنا ، فلم تأذن لنا ، ولعل ولعي بذلك إنما هو صدى لكثرة السباحة في دجلة في صباي وأول شبابي ، فاُريد أن أستعيد الذكريات ، إلا أني أخاف الثعابين جداً ، وقد أخبرني شيوخي أن لا وجود لها في غابات الجنة .
وكل ذلك تمهيد وتحريك للفكر ، فليست خُطتي في الجنة خطة طعام ولهو ، ولكن أهل الإبداع يقولون أن ومضاته لا تـتألق إلا من خلال قوادح المغامرة وتبديل البيئة وعنفوان الحركة وتجديد المناظر ، فجعلت فروسية الخيل والدراجات والمناطيد والمغامرات سبباً لتحريك عقلي وذكائي ، ومقدمة لنيل لذّتي العظمى اليومية التي أريدها على مدى عشرة الآف سنة من امتداد الخلود ..
لذتي الكبرى ومطلبي أن تكون في قصري في الجنة مكتبة إسلامية ومعرفية وعلمية وفنية ، كاملة لا نقصان فيها ، فآخذ القرآن الكريم أولاً ، وأجلس عند عتبة باب قصر عبد الله بن عباس أنتظر خروجه ، لأطلب منه التلمذة وأن يأذن لي بدرس يومي عصراً على مدى سنين يشرح لي أسرار القرآن ، ولغته ، وأعاجيبه .
حتى إذا شبعت من علمه : دققت باب الطبري ليمنـحني المزيد من معاني القرآن وفقهه ، وألبث معه السنوات الطويلة قبل أن أتحول إلى القرطبي ، والزمخشري ، والآلوسي ، وابن عاشور ، وسيد قطب ، وكل منهم يزيد لي حروفاً وفوائد ، حتى أستوفي علم القرآن من مائتي مُفسِّر ، ودفاتري معي ، وقلمي خلف اُذني ، ونعلي خفيف ، على هيئة طُلاب العلم التلامذة ، فإني حُرمت مثل هذه المجالس في الدنيا إلا قليلا ، واُريد أن أشبع وأنهل ، غير أن أخي خُونا الجَـكَني في تـِندوف بصحراء الجزائر ، وأخي غلام السائح ، قد أغرياني أنّ ثـَمَة علم ولُغة في حاضرة شنقيط بموريتانيا ، فأنا أريد لذلك أن أمكث في الخاتمة عند الـمُفسّر الشنقيطي مدة أطول ، وأن أذهب له في الجنة على ناقة ، وأن التقي به في صحراء الجنة ، وكان أستاذي الدكتور جعفر شيخ إدريس يُحدثني عن شيخ له في السودان يأبى إلا أن يأتي إلى مجلس التدريس على ناقة ، مبالغة في الحفاظ على صورة الحياة السلفية ، فاُريد أن أقلده .
فإذا استوفيت دلائل الفرقان وإعجـازه : تـنـاولت من مكتـبـتي مدونـة الحديث النـبوي الشريف الكـبرى التي استـخرجـهـا حبـيـبي البخاري وسمّاها الجامع الصحيح ، فلا أحتاج إلى انتظار ولا إلى دق الباب ، بل أجده ينتظرني مبتسماً متطلعاً مشتاقاً ، بما وصله من خبر عنّي ، وعن ولعي بالحديث وعلم الرجال ، وبشرطه الذي تعمقت فيه وصار يُسمى بين العلماء شرط البخاري ، وهو يؤخذ بالاستقراء والاستعراض لا بالنص ، فبعد ساعة أطلب فيها منه أن يريني دِقّة رميه بالسهم فيُصيب الهدف عشرة على عشرة ، بالكمال ، ينفد صبري فأطلب منه أن يبدأ رواية صحيحه عليّ ، مع الشرح وبيان أحوال السند والرجال ، فأمكث معه السنوات حتى أحفظ ما هنالك ويجيزني ، وأرجع إلى حورياتي أبشرهن ، وأمشي بينهن مشية الخُيلاء والزهو ، وأتطاول على صاحب لي حَبَسَ نفسَه عند الضفة يشرب ، ويأكل لحم الطير والعنب ، وعاف صحبة البخاري ، مع أني أعطيته عنوانـَه ، هناك بين البُحيرة والجبل المنيف .
ثم أستأذنُ البخاري أن أطوف على الإمام مُسلم لأقرأ عليه صحيحه ، وعلى أبي داود والنـَسائي والترمذي وابن ماجة والدارقطني وأبي حاتم ، في مائة من أصحاب المدونات الحديثية يروون لي أسانيدهم مباشرة ، ليعلو سندي ، ثم بطبقات الشرّاح ، ابن حجر العسقلاني والنووي ، في ثلاثة آلاف من أهل العلم وتأويل الحديث ومعرفة الرجال وتأصيل الاجتهاد ، واحداً بعد الآخر ، وقلمي ينسخ ، ونـَفَسي محبوس ، وتحرّشاتي بهم لا تنقطع ، ألاحقهم بالسؤال ، وأستخرج من كل جواب سؤالاً جديداً ، حتى تنقضي ألوف سنين ، وهم في الفرح الغامر ، أنهم وجدوا مستهلكاً شارياً ، وتلميذاً دائباً ، ومكافئاً في الحوار .
حتى إذا استوفيت غرضي من هذا الفيلق : أرسلتُ شفعاءَ إلى الخلفاء الراشدين أن يأذنوا بزيارات ، فأتأدب ولا ألحّ بسؤال ، فيروا أخلاقي ، فيتبسطوا ، ويشرعوا في الملاطفة ، فتدبَّ فيّ الشجاعة رويداً رويداً ، حتى إذا شبعتُ : تحولت إلى بقية الصحابة ، الأول فالأول ، والأعلم فالأعلم ، فيروون لي السيرة ، وأخبار بَدْر واُحُد والمعارك والغزوات ، والشهداء ، وحياة مكة والمدينة ، ووفود العرب ، وأخبار معارك القادسية واليرموك وكلّ الفتوح ، ودخول الأمم في الإسلام ، ونشوء جيل التابعين ، ومَن قَاتل منهم بشجاعة ، ومَن رَصَـد نفسه للعلم ، حتى أنزل إلى مالك وأبي حنيفة والشافعي ، فامكث عند كل واحد منهم الدهرَ الطويل ، يعلمني فقهه وأصول مذهبه وأسباب اجتهاداته ، وتكون أيامي مع مالكٍ بخاصة مخلوطة برحمة له ، لأنه كان مصاباً بسُـكّر الدم مثلي ، وهو يحب الحلواء مثلي والرُطب ، ولا يستـطيع الإكـثار منـهما ولا أستـطيع ، لذلك أتـعـمد أن التـقط له قبل كل زيـارة ما يملأ طبـقاً من البرحي و الخلاص و بقلة النارِين و الخستاوي و المجدول وأنواع رُطَب الجنة وأهديها له ، مع أنواع حلوى بالزعفران أوصي زوجاتي أن يصنعنها له ، فإنه يحب ذلك ، مُذ أهداه الإمام الليث بن سعد حمل سفينة من الزعفران والسُـكر المصري ، وكأنّ إكثاره منهما كان السبب في مرض السكر ، وبسبب هداياي له يشرع في محاباتي ، ويـهديني طبعة بماء الذهب من الموطأ ، ويخفض جناحه لي ، حتى أني لأعجب : أين ذهبت فورات غضبه على تلامذته ، وتعيـيـره لفاضل منهم أنه من روّاد دار قُدامة بسوق المدينة ، حيث مجتمع مُلاعبي الطيور ؟ ! وكأني على مدى صلتي به تعتريني رهبة أن ينسبني إلى دار قدامة آخر ببغداد ، أو إلى سوق الغزل تحت منارة مسجد الخلفاء القديم حيث اجتماع أصحاب الطير والـحَمام ، ولكنّ أخلاق الجنة غير أخلاق الدنيا ، وتمر تلمذتي له بسلام .
إنما مكوثي الأطول ، وانفعالي الأعمق : يكون حين أرجع من جولة لي في الأرباض الغربية ، وأنا على مُهري الأسود ، فأجد أحمد بن حنبل ينتظرني عند مَدخل بستاني ، على عادته الجميلة في التعرف والمبادأة والتواضع ، وكأن الشافعي هو الذي أسَرّ له بخبري وعنواني ، فاستعجل ولم يُعوّل على منهجي المزدحم وخُطتي المتأنية ، فملكني حياء أمام نور صدق تبعث به أسارير وجهه الكريم ، ثم استرسلت ، وانطلق مني سيل الأسئلة ، عن محنته وصبره ووعيه وصفاء عقيدته وتمييزه للبدعة ، فروى لي دقائق أخباره ، وأخبار أصحابه وبطولاتهم معه ، وطلب منهم أن يصحبوه في زياراته الأخرى لي ، فعرفني بهم ، وكان يوماً مشهوداً لما فاجأني بالبطل الواعي والثائر الطموح وركن الدفاع بالسلاح عن السُنـّة الغراء تلميذه وشيخ البخاري أحمد بن نصر بن سيف الخزاعي الشهيد ، فتلعثمت أمامه ، وطفقتُ أتمسح به وأمد يدي على صدره ومنكبه ورأسه ، عسى أن تسري إليّ منه عدوى الخير ، لذلك لزمتُه دهراً بعد أن روى لي الإمام أحمد مسنده وتفاريع مذهبه ، واشتقت في الجنة إلى التأليف أيضاً ، لا السماع والرواية فقط ، فاخترت أن أكتب تجربته الفريدة في ظلال الرقابة الحنبلية .
فلما طبعته مؤسسة الرسالة في الجنة ، واعتنى الأستاذ رضوان دعبول بإخراجه : صرت أزور الشهداء وأهديهم الكتاب ، فمن ثمّ رآه الأبرار في أيادي عمر محمود و إياد العزي و عمر حوران و محمود الهاشمي وأخته ميسون الهاشمية و رعد الدليمي ورافع رايـة البـصرة يوسف الحسّان وعميد الفرات حبيب الراوي ومثال البراءة جبار كاظم الشمري ، والنبيل بن النبيل ليث اسماعيل الراوي، ثم شاع من بعدهم في أيادي شهداء فلسطين ، وشهداء شعوب الأمة الإسلامية ، وعلى مدى الأجيال العديدة ، وتأسس مذهب الجهاد الواعي ، وتأسست شروحه الجلية التي أدلى بها شهيد إيران ناصر سبحاني .
وهؤلاء الرهط الذين أنتسب لهم : تتيح قصصهم أن أمشي فخوراً ، بارز الصدر ، مرفوع الرأس ، أثناء جولاتي على ألفٍ من أبناء الأجيال الأخيرة من الأمة حوتهم منهجية حركتي في الجنة ، من بين قادة الدعوة الإسلامية ، وزعماء الجهاد ، وكبار الفقهاء ، والمتبرعين بالأموال ، وأصحاب القلم ، والشعراء .
آنذاك ، وعند هذه المرحلة المتقدمة يكون استـئذاني لزيـارة خير خلق الله كُلهمِ ، وسيد سادات العرب والعجم ، مولى الثقلين ، نبينا مُحمّد صلى الله عليه وسلم ، مَن حسُنت جميع خِصاله ، وكشف الدجى بـِجَـماله ، عَطّر اللهُ ذكره الكريم ، بِعطرٍ شذيٍ من صلاةٍ وتسليم .
وليست هي قلة أدب أن أجعل زيارته بعد زيارة أمته ، بل لأن المقام يقتضي أن أتفقه وأتعلم وأتأدب قبل المثول أمام حضرته ، وأن لا يكون مثولي مثول جاهل ، فكانت تلك الجولات العلمية ، وفي المنهج أن لا اُثقل عليه ، وأن أعرف قدْر نفسي ، فلا أطيل الحوار معه ، ولكن أطلب منه أن يدعو الله أن يأذن لملائكته الكرام أن يعرضوا علي تسجيلات مصورة لسيرته الشريفة بمثل تصوير الفيديو ، ولكن بأبعاد ثلاثة ، أرى فيها وقائع أيامه ومعاركه وصَلاته وهجرته ، بل وطفولته وأيام شبابه ، فإذا كان البشر قد اهتدوا للفيديو ، فمن باب أولى أن يحوز الملائكة شيئاً أدق وأرقى نرى من خلاله كل التاريخ .
لذلك سأطلب منه أن يدعو الله أن يأذن للملائكة أن يروني تسجيلات متصلة على مدى آلاف السنين ، لنزول آدم عليه السلام وحواء إلى الأرض ، وذرياتهم الأولى قابيل وهابيل ، وتوالي الأجيال ، والنبوات الأولى والأقوام ، ونوح والذين معه ، وإبراهيم عليه السلام وهجرته وأولاده، وأنبياء وملوك بني إسرائيل إلى المسيح بن مريم وتصوير معجزاته ، ورفعه ، والكيد الذي تعرّض له ، وبقايا الحنيفية في العرب ، حتى قبيل بعثة النبي مُحمّد صلى الله عليه وسلم ، كل ذلك وخلال ألوف سنين من استطراد الخلود أرى التاريخ القديم وسير الأنبياء دقيقة بعد دقيقة ، بالأبعاد الثلاثة ، كأني أشاهد المشاهد رأى العين .
فكأني وأنا أشكر الله وأشكر النبي صلى الله عليه وسلم على إجابة رغبتي الإيجابية : ألمح الحسن والحسين رضي الله عنهما يخرجان من وراء ظهره الشريف ، فأطير من الفرح ، واُعانق وألثم الأيادي والأكتاف ، ومنعني الحياء من جهر بالسلام على فاطمة الزهراء في داخل البيت ، ومعها نساء النبي وبقية بناته ، رضي الله عنهن ، فأومأت وخفضت الصوت وألجمني الأدب .
فلما ذقت طعم وحلاوة رؤية التاريخ الحقيقي غير مزور ولا مبتور الخبر : أغراني الأمر فرجوت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي عند الله تعالى أن يجدد أمره للملائكة الكرام أن يُروني سبع مسلسلات طويلة من الفيديو المجسم على مدى ألوف السنين :
الأول : أن يجتمع الطبري وابن خلدون والخطيب البغدادي وابن العديم والجبرتي ، في مائة من المؤرخين الذين أرخوا التاريخ الإسلامي ، وأنا بينهم ، فنرى معاً وبتعليقات منهم كل تاريخنا المشرف ، وأخبار خلفاء بني أمية وبني العباس ، ومن بعدهم من العثمانيـين والغزنويـين ، ونـَمرُ بصلاح الدين الأيوبي ، وألب أرسلان ، وفتح القسطنطينية ، وفتح الهند ، والاندفاع نـحو الصين ، ومحنة الأندلس ، وجهاد الشيخ شامل للروس في القوقاس ، وثورات الجزائر ، وبطولات عمر المختار ، ومأثرة الأفغان ، والصياغة العراقية الجديدة لمذهب نـقـض العولمة .
والمسلسل الثاني : أرى فيه تاريخ البشرية ، والحضارات ، والمدنيات ، وحوادث بابل ونينوى ، وأثينا وروما ، وأخبار الصين ، والفراعنة ، والإنسان القديم ، ومعيشته وصيده وحياته الأولى في الغابات والجبال ، وفي العصر الجليدي ، وأخبار عاد وثمود ، والعرب البائدة ، وحِمْـيَر وسد مأرب وسيل العرم ، وأجيالَ أخرى نجهل خبرها .
والثالث : أن اسمع للفلاسفة يتحدثون بصواب وخطأ ، وكيف أن الملائكة تقول للمخلط منهم والملحد : اخسأ فلن تعدو قدْرَك ، وهوميروس ، وهيرودوتس ، وشعراء الأمم ، وخطبائها ، وكـتُـابها ، ومتاهات أفلاطون وأرسطو ، وتميّز سقراط عنهما وقربه من التوحيد ، ونشأة الدول الحديثة ، والخطط والمنهجيات ، والصراع الاستعماري ، والثورات التحررية ، واكتـشاف أميركا ، وتطورها ، والنهضة الصناعية ، والمخترعات ، ونابليون ، والحربين العالميتين ، وقيام إسرائيل ، ودقائق الحياة المعاصرة .
والرابع : أن تريني الملائكة عجيب خلق الله للحيوان والنبات والجماد ، والأكوان والمجرّات والشموس والكواكب ، وكيف بدأ الخلق، وكيف حصل التطور ، وانتقل معهم إلى الذرة والإلكترونات والبروتونات وتكوين العناصر تصاعدياً وفق الجدول الدوري ، والاتحاد الجزيئي ، والحقيقة الجسيمية والموجية للضوء ، وانطلاق الفوتونات ، والكمّات ، وأشكال الطاقة ، وارتيابات هايزنبرغ ، ونسبية اينشتاين ، فأكون على بيّنة من العلم الحقيقي وتركيبات المواد ، ثم إني اُحب أن تعلمني الملائكة الرياضيات المعقدة المتقدمة ، فإني أهواها ، وحرمتني منها السياسة ومعالجة قضايا الأمة ومشاكلها ، وأن يأذن الله بإرسال ماكس بلانك الألماني إليّ ليعلمني ويشرح لي كيف اكتشف الثابت حين رصد سيل الفوتونات ، وأن يرسل لي بعده ألف عالم أضاف الواحد منهم اكتشافاً علمياً إلى الرصيد الإنساني ، فاسمع لشرحهم : كيف فعلوا ذلك ؟
والخامس : أن يُنـادى في الجنة أن الله أذن لعباده أن يسـتأنفوا سوق عكاظ ، فأرى واسمع أصحاب المعلقات العشر يتغنون بها ، ويشرحون لنا لغتها ، وأريد أن أطيل محاورتي لعنترة ، وان يشرح لي : ويكَ عنترُ: أقْدِمِ !! ثم شعراء الجاهلية جميعاً ، وشعراء صدر الإسلام ، والبحتري ، والمتنبي ، في ألف شاعر منهم حافظ الشيرازي ، وسعدي الشيرازي ، نزولاً إلى البارودي وشوقي وإقبال وطبقات المعاصرين ، والأميري السوري ، ووليد الأعظمي العراقي، وآل خليفة الجزائري، ونبيل إيران أحمد مفتي زادة في روحانياته وآهاته اللواعج .
والسادسة : خاصة عائـلية ، ولغيري أن يطلب خصوصية مثلها ، وفيها تـريني الملائكة آبائي وأجدادي وجدّاتي ، جيلاً بعد جيل ، إلى يوم البشرية القديم وأولاد آدم ، صورهم ، وأخلاقهم ، وبيوتهم ، وحفلات أعراسهم ، وأين عاشوا ، وفي أي سنة ، ومَن كان لهم من الأبناء والبنات ، فاصعد إلى جدّي العاشر علي بك العِزي المعاصر للسلطان العثماني مراد الرابع ، والذي عاونه في تحرير بغداد من الحكم الصفوي ، وأصعد أكثر لأعرف عز بن يحيى بن مصلح الذي ننتمي له ، وكان عُبادياً ، ثم إلى عامر بن صعصعة جده الأعلى ، ثم إلى مضر وعدنان ، وأريد أن أزور كل جدّ وجدة أياماً ، وان تطبخ لي الواحدة تلو الأخرى البامية ، وتخبز لي ، وتـثرد لي ، و الباقلاء والطعام البغدادي .
أما المسلسل السابع : فهو سر أكتمه ولا أبوح به ، فاستعمل فراستك ، إنما هو جدٌ لا هزل ، وتعرفه بالذكاء والإخلاص معاً ، لا الذكاء فقط ، وإذا كنتَ على الدرب فما أقرب أن تميزه .
والمشكلة أن الحياة الأخروية خالدة ، وهذه المخالطات والزيارات وجلسات التعلم والدرس ورؤية الفيديو الثلاثي الأبعاد تستغرق عشرات ألوف السنين ، إنما : ماذا بعد ذلك ؟ هل أكرر واُعيد مثل مناهج الاُسر الدعوية ؟ أم أرجع عامياً بعد دهر الاستعلاء العلمي والهِمَمي فأطلب أطايب طعام الجنة ومزيد لذاتٍ وأنزل عن مستوى التحليق السامي ؟
بلى : قد يكون استعراض الفن الناجح المملوء بالمعنى أو مسحة الجمال سبباً لاستمتاعٍ منهجيٍ إبداعي آخر لألوفٍ من سنوات الخلود ، ولكن ماذا بعد ؟
كما علمتكم طريق تطوير الحياة في الجنة ، فعلموني وأفتوني أيها الأخوة !!
وكنتُ أظن أن هذا التمني الواعي والتميز النوعيفي دعاء التنعم الأخروي إنما هو سبق لي ، حتى رأيت خبراً طريفاً لبعض رجال شنقيط ، فعلمت أني مسبوق وأنه حاز الامتياز قبلي ، فقد كان اْمْحمد بن محمد اليعقوبي المعروف بابن الطلب شاعراً مُجيداً على طريقة الأولين ، فصنع قصيدة فيها ذكر الصحراء والبداوة والصيد والسهام ، فرآها في نفسه أعلى من قصيدة الصحابي الشماخ بن ضرار الغطفاني في ذلك ، وقال يوماً بعدما نظم جيميته وأبرزها للناس : ( أرجو من الله أن أقعد أنا والشمّاخ بن ضرار في نادٍ من أهل الجنة ، وننشد بين أيديهم قصيدتـيـنا ، لنعلم أيهم أحسن !! ).
والشماخ هو صاحب القوس العذراء التي باعها فندم وقال فيها شعراً طوّره محمود محمد شاكر إلى ملحمة شعرية رائعة .
ومرة أخرى عارض ابن الطلب قصيدة للصحابي حُميد بن ثور الهلالي فقال : ( أرجو من الله أني أنا وحُميد بن ثور ننشد قصيدتينا في نادٍ من أهل الجنة ، فيحكمون بيننا ) .
وبذلك سبقني رحمه الله ، لكني علمت من ذلك أني على طريقة راشدة في هذا التمني الجاد ، وان تلك السابقة إنما هي شهادة تـُنْبــِي عن أصالة رغبتي وطريقتي الإبداعية في تطوير آفاق الحياة في الجنان .
ومُرادنا إيجاب كُلّه ، ولكن كسولاً يريد أن ينحرف به إلى سلب ، فيزعم أنه سوف ينـتـظر الجنة ليقرأ العلم الشرعي ويجوب ويطرق مجالس الأئمة ، تماشياً مع هذه المنهجية الإبداعية وتصديقاً لها ، وقد أخطأ وتوهَّم وكبح به ظنهُ وتأويله ، فإن تعلّمه في الدنيا حدود الحلال والحرام ، وصفاء العقيدة له من البدع ، هو الذي يعصمه ويُدخله الجنة ، ولا تكفيه هِمّته والنوايا إن لم يعضدها صواب المذهب ، فلا تأجيل للعلم ، بل هو واجب فوري ، وعلوم أيام الجنـّة تحليق ، ومُـتعة ، وغرام ، وشُغل خير ، وجنس من النعيم المعنوي الذي يعلو على النعيم المادي .
فليحفظ هُمامٌ إيجاب الإبداع ... وليحذر التضيـيع

Thursday, October 11, 2007

تقبل الله منا ومنكم

نلتقي بعد عيد الفطر ان شاء الله
تقبل الله منا ومنكم


Wednesday, October 10, 2007

حكمة اليوم


الحمار راح للاسد وقاله غيرلى اسمى علشان الحيوانات بتقلى يا حمار ، فالاسد سماه سمكة
الحمارمشى فرحان راح القرد طلعله قاله ازيك يا حمار ، الحمار قاله ماتقليش يا حمار الاسد سمانى سمكة
القرد: بتعرف تعوم يا سمكة
الحمار: لأ
القرد: تبقى حمار
--------------------
الحمار مهما عمل سيظل حمار

Monday, October 8, 2007

نصرٌ .... ثمنهُ بغداد


الكاتب: أ. شاكر عبد الكريم
في حوار لي مع أحد أهل العلم الراشدين عن بغداد وتاريخها وما حلّ بها ، قال لي

برغم ما قيل عن سقوط بغداد بيد هولاكو وما حلّ بها من الويلات والمصائب ، إلا أنه كان فيه نعمة للعالم آنذاك ، فبغداد كانت معقل العلم والعلماء ، ونبراساً للحضارات ، فلمّا احتلها هولاكو وأصابها ما أصابها تشتت أهلها وتناثر علماؤها في أنحاء الأرض بذوراً نمت منها أشجار من العلم .. وذكر لي أنه في إحدى جزر الفلبين النائية قبر لعالم يعرف بالـ ( البغدادي ).

قبل الاحتلال الأميركي لبغداد كان على الأرض معرض لصور زاهية لناظرها المخدوع ... واهية لمن أدرك خفاياها..

- صورة لقوة عظمى اسمها ( أميركا ) .....

- صورة لدولة تسمي نفسها ( جمهورية إيران الإسلامية )....

- صورة لمنهج وفكر وتمذهب اسمه ( التشيع ) ....

كان الرعب يكاد أن يسود العالم من هذه القوة العظمى التي أخذت تكتسح كلّ ما أمامها بتكنولوجياتها الحديثة .. وبأسلحتها المتطورة .. وغطرستها الفرعونية .. فذلت لها جباه الخانعين ، وقبلت أيديها شفاه الخائفين ...

أمّا الآخران فبعضهما من بعض .. والحديث عنهما يكاد يكون واحداً ...

فبينما كان هذا العالم مذعوراً من أميركا كان ينظر لإيران على أنها الدولة الإسلامية الحقّة !! والتي استطاعت أن ترفع راية الإسلام بوجه الشيطان الأكبر ( أميركا ) .. فخدعت العالم بعمائمها السوداء وبما تقدمه من دعم ظاهري للحركات الإسلامية والمقاومة المتمثلة صدقاً بـ ( حماس ) والتي أقضّت مضاجع يهود ، وزوراً بـ ( حزب الله ) الذي كان في حقيقته خنجراً إيرانياً في لبنان ودرعاً لحماية أمن إسرائيل ... وغير ذلك مما تصرفه طهران من إغاثات ومعونات وهلمّ جرّاً ...

وللأسف .. فإن بصر العالم الإسلامي قد حُجب بما تصرفه إيران من أموال ودعم عن طهران - العاصمة الأوحد في العالم الإسلامي التي لا يوجد فيها مسجد لأهل السنة - !!! وحجب بصره عن دستوره الذي ينص على أن مذهب الإثني عشرية هو المذهب الرسمي للدولة ولا يجوز تغييره !! حُجب بصره عما تخطط له في الخفاء من زرع جيوب تخريبية لها في كل بلد .. حتى في البلد الحرام ! وما حوادث العنف والتخريب التي قامت بها المخابرات الإيرانية في المسجد الحرام عنّا ببعيد ...

وتمضي السنون .. والعالم بين الرعب الأميركي والخداع الإيراني .... حتى جاء يوم 9-4-2003 ... يوم احتلال بغداد .

منابر مجروحة .. وخزائن مفتوحة !!

العداء الأميركي للعالم الإسلامي واحتلاله للعراق لا خلاف في انطلاقه من منطلقات صليبية .. فهو عداء تاريخي معروف للجميع .... إلا أن الخفي عن المسلمين هو دور ( إيران ) .. الدولة الفارسية التي خدعت العالم باسم الإسلام ..

قبل الاحتلال كان هناك مجموعة من الشباب المسلم العراقي قد سبر أغوار الدهاليز الفارسية .... وكان على علم بالسمِّ الذي يكمن بين أنياب هذه الأفعى الصفوية .. فأخذوا يعملون جاهدين لفضح هذه الأفعى .. وأنهم لا يسعون إلا لإرجاع مجد كسرى ورستم .. وما أهل البيت الذي يتغنون باسمهم إلا أهل بيت النار التي يقدسّونها وليس أهل بيت النبوة .. وما التشيع إلا ثوب زور راموا به خداع المسلمين واستغلال عواطفهم وفي الوقت نفسه تمزيق الإسلام من داخله ..

لم يأت هؤلاء الشباب العراقي بشيء جديد .. فهم امتداد لمدرسة محب الدين الخطيب وإحسان إلهي ظهير وغيرهم ممن فضح هذا الفكر والمنهج الباطني .. ولم يكن لهؤلاء الشباب سوى منابر معدودات وبعضها خافيات ومطويات وكتيبات مستنسخات.. فماذا تفعل هذه أمام الخزائن الإيرانية المفتوحة على مصراعيها لدعم قضيتها الباطلة ؟؟ فضلاً عما تجده من دعم ( من وراء الكواليس وأحياناً أمامها ) من أميركا وإسرائيل ... راجع كتاب ( ويل للعرب ) لعبد المنعم شفيق لتعرف تفاصيل وأسرار هذا الدعم ....

نحن نؤمن بأن الله تعالى ينصر من ينصره .. وأن البركة الإلهية والنصر الرباني فوق الأسلحة الأميركية والخزائن الفارسية والدسائس الصهيونية .. فالله عز وجلّ أمرنا أن نأخذ بالأسباب وأن نعد العدة والقوة .. ليست القوة الإيمانية فحسب وإنما المادية أيضاً .. ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) سورة الأنفال(60) ، فكيف وإيران قد تغلغلت في العالم الإسلامي وكان لها في كل بلد نصيب من رجال ونساء ومؤسسات يعملون لها ؟؟ سواء إيماناً بقضيتهم ( التشيع ) على باطله ؟؟ أو بشراء الذمم والضمائر ؟؟ والنتيجة واحدة ، فإيران ـ بلا شكّ ـ تؤمن بمبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة ) فاستباحوا الفروج باسم المتعة ! وسرقوا أموال الناس باسم الخمس .. كل هذا

من أجل إرجاع إمبراطورية فارس
..

لم يستسلم الشباب العراقي المسلم .. برغم ضعفهم وقوة عدوّهم الصفوي ... حتى استجاب الله تعالى لعملهم وجازاهم بالإحسان إحساناً ، وحقق لهم مرادهم ونصر قضيتهم ...

فكانت بغداد الثمن ..

قال تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) سورة البقرة(214) .

لكل شيء ثمن .. فثمن الجنة البأساء والضراء حتى الزلزلة ، وكذا النصر له ثمنه الغالي ، وها أنت اليوم – يا ابن مساجد بغداد - تدفع الثمن ، فأمريكا ( غول ) العالم يكاد أن يتهاوى من ضربات المقاومة الصادقة الموجعة ، فباحتلال بغداد انكشفت سوأة الإدارة الأميركية واُفتضحت قوتها الوهمية ... وانكشف الوجه البشع الحقيقي لإيران بعدما كان العالم مخدوعاً بحسنها المصطنع ... وفضحتِ - يا بلد الرشيد - يوم استباحوا ترابك ( حقيقة التشيع ) الدموي ..

احتلوك يا بغداد .. فكشّروا عن انيابهم .. وصدق فيهم قوله صلّى الله عليه وسلّم ( إذا لم تستح فاصنع ماشئت ) ، فمنذ أن تسلَّم أذنابهم ومن تربّوا في أحضانهم الحكم في العراق وعوارهم مكشوف لكل غادِ ورائح حتى لم يعد خافياً على أحد ما تفعله إيران بأهل السنة في العراق عن طريق عمائمهم السوداء وحوزاتهم الرعناء .. بل إنهم - وبكل صلافتهم وقباحتهم المعروفة - أخذوا يتغنون بانتسابهم لإيران.. بل إن مراجعهم لا يكاد لسانهم ينطق بالعربية ، وها هو مرجعهم الأعلى ( السيستاني ) لم يسمع أحد له صوتاً .. بل لم تره له إلا صورة أو صورتين لا نعرف من ومتى وأين أخذت له ؟ هذا إن كان حيّاً حقّاً ...

لقد رأى العالم ما فعله رسل إيران في معتقلات وزارة الداخلية ( العلنية والسرية ) .. وبمساجد أهل السنة .. و( مزارف ) صولاغ يوم كان وزيراً للداخلية عملت عملها بأجساد الشباب المسلم ، وها هو اليوم يسرق مال العراق سراً وعلانية بعدما أصبح وزيراً للمالية .. والمستشفيات أصبحت معقلاً لميليشيات ( الصدر ) يترصدون أهل السنة بها .... لم ينج من حقدهم أحداً .. فبيوت الله أحرقت ... ومنابر رسول الله صلى الله عليه وسلّم اُسكتت .. والمنائر فُجرت .. والحديث يطول ..

لقد كشفت الحقائق أن إيران هي من يحكم العراق اليوم حقيقة لا مجازاً .. فمرجعهم الأعلى السيستاني إيراني .. ووزير المالية صولاغ إيراني .. وموفق - الربيعي زوراً - مستشار الأمن القومي إيراني .. وعبد العزيز الحكيم – الطبطبائي - رئيس قائمة الائتلاف إيراني .... وهلمّ جرّاً ...

كل هذا كان بعد احتلالك يا بغداد ...ً

العالم كله اليوم يعرف من هي إيران .. وما معنى الفكر الشيعي ..

العالم .. رؤساء ومؤسسات وشعوباً .. عرفوا أن إيران لا تعمل إلا من أجل إعادة أمجاد فارس القديمة وتسعى بكل ما أوتيت من مال وجهد لإحيائها .. وبحار الدم التي ملؤوا بها شوارع بغداد ستُغرق العالم الإسلامي لا محالة إن التزم المسلمون الصمت عن جرائمهم .. إلا أنهم لم يصمتوا - والحمد لله - .. نعم تأخروا كثيراً .. وتحركوا ببطء ... لكنهم بدؤوا وهذا هو المهم ...

هكذا كانت قصة النصر .. لقد كانوا شباباً قليلين جداً .. ومنابر تكاد تكون خافية .. ومطويات وكتيبات ذات استنساخ رديء .. وحديث ها هنا وها هناك ... هكذا كانت حرب شباب أهل السنة في العراق ضد إيران ... وها هم الشباب المسلم اليوم .... بمؤسساتهم ومواقعهم الإعلامية والثقافية والشرعية.. يتبنون هذا المشروع .. الحرب ضد إيران .. حفاظاً على عقيدة أهل السُنة والجماعة من الزوال ..

لقد دفعت الثمن يا حفيد المنصور .. نعم .. لقد كان ثمناً غالياً وعزيزاً .. فبغداد أُحتلت ... والمساجد أحرقت .. والمنابر أُسكتت .. والدماء سالت ..

ولكنه نصرٌ من الله وفتح قريب .. وبشّر المؤمنين ...

فهذا هو ( النصر) ... الذي ثمنه بغداد .. وما أغلاه من ثمن !!